المغربي يبقى مجهول الاسم مدة 7 أيام.... بداية و مصير غامض
كخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي أدرك مدى أهمية التقاليد في تركيب ودينامية وهوية المجتمع. لكن كما أن هناك تقاليد ايجابية جدا يجب الحفاظ عليها فهناك تقاليد أخرى سلبية جدا تستوجب تغييرها.
فمثلا جرت العادة عندما يولد الطفل المغربي، أن يبقى مجهول الاسم مدة سبعة أيام حتى يتم ذبح حيوان بريء وإسالة دمائه ليتمكن المولود من الحصول على اسم وهوية!؟ فيا ترى ما هي رمزية هذه الطقوس الممزوجة بالذبح والقتل والدماء لإهداء الاسم؟ و ما هي عواقب هذه المدة(7 أيام) التي يبقى فيها المولود مجهول الهوية؟ و ما هي انعكاسات هذه الطقوس على شخصية المغربي وعلاقته مع المجتمع؟ وبطبيعة الحال لن أتطرق لهذه الأسئلة من ناحية الأنثروبولوجيا ولكن أحاول تحليلها من زاوية التحليل النفسي.
1- ماذا يجري مدة 7 أيام قبل "سْبوعْ"؟
إن برمجة الولادة مفقودة في مجتمعنا وحتى مفهوم الرغبة في الإنجاب مفقود. كما أن ثقافة محبة الطفل والتواصل معه أثناء شهوره التسعة في رحم أمه، مفقودة كذلك. فالطفل يأتي إلى الدنيا "صْحّْة وْ صافي!". يُعتبر الجنين في ثقافتنا لا شيء ولا هوية له بحيث نخلطه بِـ "الحمل" ونسأل الأم "كيدايْرا الحْمالَة دْيالْكْ؟" .
فالطفل المغربي مجهول الاسم في رحم أمه ويبقى بدون اسم مدة 7 أيام بعد ولادته ولهذا ينهي حياته مجهول الوجود وله اسم على الورق فقط! فالمغربي يتقبل "الحكرة" لأن عدم الاعتراف بوجوده كمواطن وكإنسان يبدأ منذ نشأته ومدة 9 أشهر وعند ولادته نزيده سبعة أيام أخرى يعيشها مجهول الإسم، لدرجة إذا مات في أيامه الأولى لا يبكي عليه أحد ما عدى الوالدين لأنه لم تربط معه أي علاقة منذ نشأه وترى الزوار يقولون للأم "إوا الحمد الله مَوْلّْفْتيهْشْ وْ دَبا يرزقك الله واحد آخر"! كلام مؤلم و كأنهم يتحدثون عن قط أو جرو! وهكذا يتعود الطفل المغربي على "الحكرة" من أول يوم نشئُ فيه الى يوم وفاته و دفنه فلا داعي لنستغرب أو نندهش من تقبل المغربي" للحكرة" و"التبهديلة" كمواطن. فسلبيات تقاليدنا هي صانعة "حُكرة" المواطن!
2- "أشْنو غَدي تْسْمِّوْهْ أو تْسْمِّوْها؟"
سؤال خطير وله معاني و دلالات عديدة. "اشنو غدي تْسمِّوه؟" يعني أننا نتحدث عن الرضيع بضمير الغائب المجهول وكأنه لم يولد أو لا وجود له من بعد. ولا ننسى أن الرضيع يسمع هذا الكلام ويخزنه في باطن ذاكرته و لكننا نتصور بلا دليل حسب ما نشأنا عليه أنه لا يفهم شيئاً من كلامنا "مْكْلّْخْ ما كَيْفْهْم والو"أو "صغير ما عْندو عقل"!
لنفترض أنه يفهم هذا الكلام وإنما ليس له القدرة على الجواب ، فكيف يكون تأثيره عليه؟ لنفترض عزيزي القارئ انك في محل الرضيع وشخصين يتحدثان عنك وكأن لك إعاقة ذهنية و ليس لك وجود، فبأي شيء سوف تشعر؟ و كم هو خطير ومؤلم أن نتحدث عن الطفل كأنه شيء ليس له كينونة ووجود بيننا. أليس هذا احتقار و تجاهل صارخ لكيان الطفل "واش هادي مشي هي الحكرة؟"
3- طقوس "سّْبوعْ" وقتل الخروف
في كل المجتمعات نجد طقوساً معينة التي تعبر على الانتقال من مرحلة الى اخرى. فبالنسبة للولادة تكون طقوس تعبر عن مرور الطفل من عالم الرَّحِم الى عالم الوجود المجتمعي فيكون الاحتفال به حينئذ. لكن بالنسبة لطقوس "سّْبوعْ" هناك مشكلتين خطيرتين:
- يبقى الرضيع مجهول الاسم ونتحدث عنه بصيغة الغائب مدة سبعة أيام وكأنه في غيبوبة ولا ذاكرة له ولا احساس ولا شعور له. والرضيع بطبيعة الحال يشعر بكل محيطه و يتأثر به بل و يتفاعل معه منذ نشأته الاولى في رحِم الأم. فأي استقبال هذا نقوم به بعد الولادة "عَيْنْ شْوِيّا أوْلْدي حتى لسْبوعْ وْعادْ نْشوفو مْعاك"، ألا يذكركم هذا بمواقف عديدة فمثلاً عندما تذهبوا لقضاء حوائجكم بالإدارات العمومية تسمعون عبارات: "عَيْنْ وْ سْتْنّا حتى يْجي المدير وْنْشوفو أشْنو نْديرو معاك" وتجلسون ساعات وساعات كأنه لا وجود لكم؟ أليس ما يتعرض له الرضيع هو نفس "حكرة" الإدارات؟
- لماذا يجب قتل خروف وإسالة دمائه ليصبح للطفل وجود واسم يعرف به وهوية معلومة؟ أليست هذه أشبه بالطقوس الدموية لتقديم القرابين و الأضاحي التي كانت سائدة في العصور الغابرة؟ ولماذا نمزج الهوية بإسالة الدماء؟ هل المتطرفون لا يسيلون الدماء لفرض هويتهم الدينية؟ ألا تظنون أن هذه الطقوس لا تأثير لها على نفسية الرضيع و انعكاساتها قد تسمر معه طيلة حياته؟
أترككم مع هذا التحليل كمدخل لربط صلة الوصل بين نفسية المغربي و سلوكه وبين عوائد مجتمعه و الأيام السبعة بدون اسم و بهوية مجهولة وهذه الطقوس الدموية و انعكاساتها على حياتنا!
عدد التعليقات (0 تعليق)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟